تسجيل عبد الناصر والقذافي- كشف المستور أم فضيحة الرافضين؟

المؤلف: وفاء الرشيد09.18.2025
تسجيل عبد الناصر والقذافي- كشف المستور أم فضيحة الرافضين؟

في مقال بالغ الأهمية، أطلق الكاتب القدير عبد الرحمن الراشد تساؤلاً تهكمياً لاذعاً: هل من وقت خالٍ من الشبهة لإذاعة الاعترافات؟

إنه سؤال في الصميم، فالواقع في عالمنا العربي يواجه دائماً بالشك والارتياب، بدلاً من التمعن والتحليل الرصين.. وما يثير الاستغراب حقاً ليس التوقيت الحالي للكشف، بل الصمت المطبق الذي طال أمده وسبقه.

التسجيل الصوتي الذي ضم بين طياته حديثاً للرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع العقيد معمر القذافي في عام 1970، أزاح الستار عن لحظة فريدة من الإقرار السياسي الصريح: عبد الناصر، رمز الصمود والرفض، يعلن جهاراً استعداده للاعتراف بإسرائيل في مقابل استرداد الأراضي المحتلة، ويضيف بوضوح: «من يرغب في القتال.. فليقاتل إذاً!»

بهذا التصريح الجريء، ينسف الزعيم بنفسه الشعار الذي شكل أسطورته ومجده: «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة». لم يكن هذا الموقف نابعاً من الضعف أو الاستسلام، بل كان إدراكاً متأخراً لحدود القدرة، وتكلفة المغامرات الطائشة، وواقع المنطقة الذي تبدل وتغير.. كانت تلك اللحظة بمثابة خروج لعبد الناصر من عباءة الخطابة الرنانة إلى رحاب منطق الدولة العقلاني.

يكمن جوهر الإشكالية في أننا أمة تمجد الشعارات البراقة وتنبذ المراجعة الموضوعية، تخشى الاعتراف بالحقائق أكثر مما تخشى الهزيمة النكراء. وها هو التسجيل يبرهن على أن الزعيم الذي هلل للحرب في العلن، اختار درب التفاوض في الخفاء. فلماذا يُحرم جيل اليوم من معرفة هذه الحقيقة كاملة؟

إن التمسك الدائم بتقديس الشعارات الزائفة تحت لافتات "الممانعة" لم يأتِ إلا بالخسائر الفادحة والويلات. فمن نصر الله إلى السنوار، تتكرر الخطابات النارية ذاتها، في حين تُدمر المدن وتُستباح، وتُرهن القرارات المصيرية. وعندما ينكشف تسجيل تاريخي يعيد صياغة الأحداث والروايات، لا نجد جواباً سوى: "لماذا الآن تحديداً"؟

هذا التسجيل ليس فضيحة لعبد الناصر، بل هو فضيحة مدوية لأولئك الذين يرفضون التعلم واكتساب الخبرة. إنه دعوة ملحة لإعادة كتابة تاريخ منطقتنا بعيون ناقدة حصيفة لا عاطفية، وتأكيد قاطع على أن الوطن لا يصان بالهتاف والصخب، بل بالسياسات الحكيمة، والقرارات الرشيدة المستندة إلى العقل والمنطق.

لقد تخلى عبد الناصر عن الأسطورة الخالدة.. فمتى نتخلى نحن عن تقديسها الأعمى، ونواجه الحقائق بشجاعة ووعي؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة